يبدو أن المجتمع الدولي ومنظماته تعود أن يؤجل المشكلات حتى تصل إلى حد الكارثة ثم يبدأ التحرك، وهذا ما أكدته أكثر من هيئة دولية, فلقد ألقت منظمة أوكسفام وغيرها باللائمة على المجتمع الدولي واتهمته بالتباطؤ عما يحدث في القرن الأفريقي، بالإضافة إلى ذلك فإنه من المعروف أن تكرار الجفاف والمجاعات الناجمة عنه تحتاج إلى حلول جذرية، ولكن يبدو أن المنظمات الدولية تتاجر بالكوارث؛ ولذلك لا أحد يحاول إيجاد الحلول حيث إن الأموال التي يتم رصدها في أوقات الأزمات لا تصل إلى المحتاجين كما هو مطلوب ويعيش أغلب منظمات الأمم المتحدة بفنادق فاخرة في نيروبي ويستأجرون طائرات بمبالغ طائلة رغم أن بعض هذه المناطق المنكوبة كانت تحتاج إلى حفر آبار أورتوازية فقط، وما كانت تتكلف مثل هذه المبالغ التي تصرف بالشؤون الإدارية لهذه المنظمات؛ لأن المياه الجوفية متوافرة في العديد من المناطق الصومالية، ولكنها تحتاج من يستخرجها، فمادام أنه لا توجد هناك حكومة صومالية تستطيع القيام برعاية شؤون شعبها؛ فإن هذه المنظمات لا أحد يستطيع أن يقنعها أن تعمل لصالح هذا الشعب أو ذاك، ولاسيما وأن الفساد أصبح ينخر في جسد الحكومة الانتقالية الصومالية فضلا عن القوات الأفريقية التي لا تقدم شيئا للشعب الصومالي بل تتقاسم معه الأموال التي يتم جمعها من العالم باسم الصومال، ومع ذلك لم تأتي إلا لحراسة حفنة قليلة تعيش في القصر الجمهوري، ولم تستطع أن تتغلب على جماعات المسلحة المسيطرة على أغلب أحياء العاصمة؛ لأن هذا ليس من أهذافها، بل أغلب ضحايا هذه القوات هم من الشعب المسكين، والأنكى من ذلك أن جماعة الشباب المسيطرة على أغلب مناطق الجنوب التي هي بؤرة المجاعة حاليا كانت ترفض دخول منظمات الإغاثة لهذه المناطق إلا أنها سمحت لهم عندما وقعت الكارثة، وكان من المتوقع للجميع أن تحدث هذه الكارثة عندما تم منع هذه المنظمات؛ لأن أغلب الشعب الصومالي يعتمد على المساعدات الإنسانية بسبب الحروب العبثية التي يقودها أبناءها ولتحقيق أهداف شخصية لا تخدم إلا لأعداء هذا الشعب.
أسوأ كارثة
وقد أصبح الوضع في الصومال يمثل أسوأ كارثة عرفتها المنطقة منذ عشرين سنة، وأعلنت المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة عن حوالي عشرة ملايين إنسان في منطقة القرن الأفريقي معرضين لخطر الموت جوعا، وأن أغلب مناطق الصومال تتعرض لجفاف حاد، ولكن منطقة بكول وشبيلة السفلى تمثلان أكثر المناطق خطورة في الوقت الحالي، وتشير تقارير المنظمات الدولية إلى أن حولى 300 ألف شخص معرضون للموت في المناطق الجنوبية في الصومال إذا لم يتم انقادهم بسرعة، فضلا عن معاناة أكثر من 250 ألف طفل بسبب موجة الجفاف التي وصلت إلى مرحلة الكارثة الإنسانية على حد وصف هذه المنظمات، وتشير التقارير القادمة من الصومال إلى أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 270% في الصومال في خلال سنة واحدة، هذا إن وجدت، حيث إن بعض المناطق تتعرض لحصار من قبل دول الجوار بسبب الحروب الدائرة في بعض المناطق الجنوبية.
ومن جانبها أكدت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أن 54 ألف صومالي فروا من البلاد بسبب الجفاف وأعمال العنف في شهر يونيو فقط، وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر: إن مستوى سوء التغذية الشديد لدى الأطفال تضاعف تقريبا منذ مارس الماضي ليصبح الأكثر ارتفاعا في العالم؛ مما أجبر العديد من المواطنين الفرار إلى دول الجوار للبحث عن الطعام، ومع هذا فإن معاناة هؤلاء لا تقتصر على عدم حصولهم الطعام ولكن فقدان الأمن يجبرهم أكثر الأوقات الابتعاد عن الأماكن المأهولة التي يوجد فيها المنظمات الخيرية.
الدور العربي
ومن جانبها قررت جامعة الدول العربية رصد مبالغ مالية فورية من حساب الأمانة العامة من أجل تقديم مواد إغاثة طبية وغذائية للمتأثرين بالجفاف في الصومال، وقال الأمين العام للجامعة نبيل العربي في بيان أصدره: إنه سيجري توزيع هذه المبالغ خلال الأيام القادمة عبر بعثتي الجامعة العربية بالعاصمة الصومالية مقديشو والعاصمة الكينية نيروبي وبالتنسيق مع الهيئات الدولية المعنية.
وحث بيان الجامعة كل الأطراف الصومالية المعنية على تسهيل توصيل المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها دون أي إعاقة أو تأخير، داعيا جميع الدول العربية والمنظمات العربية المتخصصة وفي مقدمتها جمعيات الهلال الأحمر ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص لمساعدة المتضررين بالجفاف في الصومال والمساهمة في الجهود الجارية لإنقاذ النازحين واللاجئين، وقد اعتادت الجامعة العربية إصدار مثل هذه البيانات ولكن الوضع الذي تمر به الصومال تجاوز مرحلة إصدار البيانات ويحتاج إلى سرعة التحرك، ومن المطلوب أن تتحرك الجامعة تجاه إيجاد حلول سياسية للمشكلة السياسية الصومالية التي هي السبب الرئيس لهذه الكوارث كلها، وألا تترك الأمر لمنظمة "إيجاد" ودول الجوار الذين يمثلون أكثر المستفيدين من الفوضى الحالية في الصومال، وإلا فإن دور الجامعة العربية يظل كما كان في عهد عصمت عبدالمجيد وعمرو موسى دورا هامشيا يصدر بيانات لا تسمن ولا تغني من جوع.
مبادرات خيّرة
وبصورة مشرفة شاركت العديد من الجمعيات الخيرية الإسلامية في تخفيف المعاناة عن إخوانهم في الصومال قبل وقوع الكارثة رغم قلة إمكانياتها حيث إنها ما زالت تتابع أحوال الفقراء المحتاجين وتكفل العديد من الأيتام في أغلب مناطق الصومال، بينما لا تتحرك المنظمات الدولية ذات الإمكانات الهائلة إلا بعد وقوع الكارثة، ويشارك بجهود الإغاثة جمعية التربية الإسلامية بمملكة البحرين، وجمعية إحياء التراث الإسلامي ممثلة بلجنة القارة الأفريقية، وهناك جهود ملموسة من الهلال الأحمر الإماراتي والقطري، وكذلك جمعية عيد آل الثاني القطرية، وجمعية القطر الخيرية، وكل هذا يؤكد الدور العربي الشعبي المساند للشعب الصومالي أثناء محنته من الناحية الإنسانية.
لفتة إنسانية
وفي مبادرة نوعية تمثل أول مبادرة عربية تؤكد الدور الكويتي ومساندتها الدائمة للصومال في جميع أوقاتها تبرع سمو أمير الكويت شيخ صباح الأحمد الصباح عشرة ملايين دولار لضحايا المجاعة في الصومال مما يشير إلى عمق مشاعر الود والمحبة التي يكنها سمو الأمير حفظه الله للشعب الصومالي الشقيق، وقد أعلنت جمعية الهلال الأحمر الكويتي تجهيز طائرتين كويتيتين محملتين بمساعدات انسانية ودوائية وخيم إلى جمهورية الصومال لمساعدة شعبها الذي يواجه ظروفا معيشية صعبة جراء الجفاف الحالي.
وقال مدير إدارة العلاقات العامة في جمعية الهلال الأحمر الكويتي عبدالرحمن العون في تصريح صحافي إن سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح امر بسرعة تقديم المساعدات إلى الأشقاء في الصومال لمواجهة الظروف المعيشية الصعبة، وأضاف العون أن التبرع من سمو أمير البلاد بمبلغ 10 ملايين دولار لصالح المنكوبين في الصومال يأتي للمساهمة فى دعم الجهود الإنسانية المبذولة للتخفيف من معاناة الشعب الصومالي الشقيق حتى يتجاوزوا تلك الأزمة، وذكر أن التبرع يأتي تكاتفا مع الأشقاء الصوماليين المتضررين من الجفاف وتعبيرا عن مشاعر الود والمحبة الراسخة بين شعبي البلدين ومساهمة للتخفيف عن معاناة المتضررين، وقال ان الطائرتين تحملان على متنهما مواد غذائية ودوائية وخياما مشيرا إلى استمرار الجسر الجوي الإغاثي إلى الأشقاء في الصومال، وبين العون أنه سيتم التنسيق مع سفارة الصومال لدى الكويت ولجنة الإغاثة الصومالية التي شكلت بالصومال إلى جانب الهلال الأحمر الصومالي حول آلية ايصال المساعدات الإنسانية للمنكوبين والتي تتضمن الأدوية والخيام ومواد الإغاثة.
وفي حديث ذي صلة أكد وزير الصحة الدكتور هلال الساير سعي دولة الكويت إلى اغاثة الشعب الصومالي في وقت الشدة وحرصها على وصول المساعدات الكويتية للمحتاجين في أنحاء الصومال كافة باسرع وقت ممكن، وقال الساير الذي يشغل منصب نائب رئيس جمعية الهلال الأحمر الكويتي في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية ان الكويت في ظل القيادة الرشيدة لسمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح كانت سباقة دائما في مجال اغاثة الشعوب ومن ضمنها الأشقاء في الصومال، وأضاف أن سمو أمير البلاد أمر بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة لأبناء الشعب الصومالي إيمانا منه بدور الكويت الإنساني في إغاثة في الشعوب المنكوبة.
وذكر أن سرعة تقديم المساعدات للاشقاء في الصومال تاتي ضمن الاهتمام الذي توليه قيادتنا الرشيدة وسعيها الحثيث للحد من معاناة الشعب الصومالي وتأكيدا للدور الإنساني لجمعية الهلال الأحمر الكويتي وعملها الدؤوب لمد يد العون ومساعدة المحتاج في جميع أنحاء العالم.
وذكر أن جمعية الهلال الأحمر الكويتي كانت من اوائل الجمعيات الوطنية العربية التي تجاوبت مع كارثة الجفاف في الصومال وتحركت بالسرعة المطلوبة لمساعدة المتضررين والوقوف إلى جانبهم ومساعدتهم على تجاوز ظروفهم الراهنة.
ومن جانبه أشاد سفير جمهورية الصومال لدى الكويت عبدالقادر أمين شيخ بالدور الإنساني الذي تؤديه الكويت في رسم بسمة الأمل على وجوه المتضررين الصوماليين ولاسيما مع حالات الجفاف والمجاعة التي تشهدها مناطق متفرقة في وسط وجنوب الصومال، ونوه السفير شيخ في تصريح صحافي عقب لقائه عددا من المسؤولين في جمعية الهلال الأحمر الكويتي بجهود الجمعية من خلال تقديم المساعدات الإنسانية بصورة عاجلة للدول المنكوبة ومن ضمنها الصومال، ووصف السفير معاناة الشعب الصومالي حاليا بالمريعة مؤكدا ضرورة قيام المجتمع الدولي باتخاذ اللازم والتنسيق مع الحكومة الصومالية لإيصال أكبر قدر من المساعدات الإنسانية إلى الصومال.
ومن الجدير بالذكر أن أزمة الصومال الحالية ليست أزمة عابرة تتعلق بكارثة الجفاف فقط بل هي أزمة متعلقة بإهمال العالم في هذه المنطقة التي أصبح العديد من الدول الكبرى تتعامل معها كمنطقة أمنية يجب مواجهة بعض المتمردين فيها وقصفها كلما أمكن ثم تركها وما فيها من فوضى، وقد كانت الصومال منطقة حيوية مهمة لدول الكبرى إبان الحرب الباردة بما تتمتع به من مكانة إستراتيجية، ولكنها بعد انتهاء الحرب الباردة تم اهمالها عن قصد، ومن المهم للدول الإسلامية والعربية أن تتحرك بسرعة لتقديم نوع من الحل لهذه الإشكالات الأمنية والسياسية حتى لا تتكرر مثل هذه الأزمات في كل فترة، لأن أكبر مساعدة تحتاج إليه الصومال هي بناء دولة مركزية قوية وعقد مؤتمر مصالحة حقيقي بعيد عن التدخلات الإثيوبية والكينية، وبعد ذلك يمكن حل المشكلات الموسمية بطريقة أفضل مما هي عليه الآن، وفي الختام ينبغي الإشادة إلى الدور العربي المتنامي والمتعاطف مع الشعب الصومالي، إلا أنه يجب التنبه إلى أن هذه المساعدات تصل إلى مستحقيها؛ لأن حكومة مقديشو ليست بذات الثقة حتى توصل الأمانات إلى أهلها، وسجلها من الفساد أصبح معروفا لدى الجميع، وعلى العالم أن يتعامل مع الكارثة كما هي وبكل تجلياتها السياسية والإنسانية.
لحولا ولا قوتي الا بالله