إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. اللهم إنا نسألك أن تهدينا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وأصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت. أما بعد أيها الأخوة في الله: فإن الله عز وجل لما امتدح نبيه r في كتابه الكريم قال: ] وإنك لعلى خلق عظيم [ وقال تعالى في مدح فريق من المؤمنين: ] والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين [ وكل هذا مدح لحسن الخلق، وإعلاء لقدره ومرتبه.. لذا قال أنس بن مالك t: " كان رسول الله r أحسن الناس خلقاً " متفق عليه. وقال t: ولقد خدمت رسول الله r عشر سنين فما قال لي قط: أفّ، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيءٍ لم أفعله: ألا فعلت كذا؟. متفق عليه. وقال r: "ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء ". رواه الترمذي عن أبي الدرداء. ولما سئل r عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: " تقوى الله وحسن الخلق ". ولما سئل عن أكثر ما يدخل الناس النار قال: " الفم والفرج " رواه الترمذي عن أبي هريرة. وقال r: " أنا زعيم لبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه " رواه أبو داود عن أبي أمامة الباهلي وقال r: " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً". وكان من دعائه r أن يقول:" اللهم اهدني إلى أحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت ". رواه مسلم عن علي. وأول من يتضرر بسوء الخلق هو صاحبه، لما يلاقيه من بغض الناس له وكراهيتهم مصاحبته، قال الحسن البصري رحمه الله: " من ساء خُلُقُـه عذّب نفسه"، وقال الفضيل بن عياض :" لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابد سيء الخلق". وصحب ابن المبارك رجلاً سيئ الخلق في سفر فكان ابن المبارك يحتمله ويداريه، فلما فارقه بكى ابن المبارك فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: بكيتُه رحمةً به، فارقته وخلقه السيئ لم يفارقه. وحسن الخلق يرفع صاحبه في الدنيا ويرزقه محبة الناس واحترامهم، ويرفع درجته في الآخرة ويثقل ميزان عمله الصالح، قال r:" إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ". نسأل الله تعالى أن يزين أخلاقنا ويكسونا حلة الإيمان إلى يوم نلقاه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.. الخطبة الثانية الحمد لله الولي الحميد، الفعال لما يريد، أحمده سبحانه وأشكره وعد من شكره بالمزيد، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسيلماً كثيراً. أما بعد، أيها الأخوة في الله: تكلم بعض العلماء بكلام جامع بيّن فيه حقيقة حسن الخلق فقال: هو أن يكون الرجل كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمـل، قليل الزلل، قليل الفضول، براً وصولاً، وقوراً صبوراً رضياً حليماً، رفيقاً عفيفاً شفيقاً، لا لعاناً ولا سباباً ولا نماماً ولا مغتاباً، ولا عجولاً ولا حقوداً، ولا بخيلاً ولا حسوداً، بشاشًا هشاشاً، يحب في الله، ويبغض في الله، ويرضى في الله، ويغضب في الله، فهذا هو حسن الخلق. وقال ابن المبارك رحمه الله: حسن الخلق: طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكفّ الأذى، وقال الحسن البصري: حسن الخلق: بسط الوجه وبذل الندى وكف الأذى. وحسن الخلق أيها الأخوة الكرام: قد ذهب والله بخيري الدنيا والآخرة. ففي الدنيا يحبه الناس ويقدرونه ويحترمونه ويوالونه، وفي الآخرة يثقل ميزانه ويجلب رضا الرحمن.. نسأل الله أن يهدينا لأحسن الأخلاق والأقوال والأفعال، وأن يصرف عنها لا يصرف عنا سيئها إلا هو. اللهم إنا نسألك من خيري الدنيا والآخرة، ونسألك المعافاة والعافية الدائمة، ونسألك أن تجعلنا أحب عبادك إليك يا ذا الجلال والإكرام، ( اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا لا للذين آمنوا واغفر ربنا إنك رؤوف رحيم). اللهم وأصلح أحوال المسلمين..