الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين. وبعد فقد اعتاد بعض الدعاة عند انتهاء العام على التذكير والوعظ عن طريق المحاضرة والمقالة والرسالة الإلكترونية بأساليب متنوعة وقضايا متعددة من تذكير الناس باختتام العام وانصراف الدنيا وزوالها والمحاسبة وحثهم على العمل الصالح وغير ذلك.
والذي يظهر من حيث الأدلة والأصول الشرعية أن تخصيص هذا الوقت بموعظة خاصة والمداومة على ذلك وحث الناس على التوبة والأعمال الصالحة والصدقة ومحاسبة النفس والتحلل من المظالم في ختام العام أن هذا كله عمل غير مشروع وهو أقرب إلى البدعة منه إلى السنة للوجوه الآتية:
أولا: أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أو من يعتد بقولهم من الأئمة تخصيص هذا الوقت بتوبة وعمل صالح.
ثانيا: لم يرد في أدلة الشرع ما يدل على اعتبار ختام العام الهجري مناسبة دينية يشرع فيها عمل مخصوص أو له أفضلية يضاعف فيه ثواب الأعمال الصالحة. وإنما فضل الشرع ورغب بالعمل الصالح في مناسبات معروفة كعاشوراء ورمضان وشوال وعشر ذي الحجة ونحو ذلك. ولم يرد فيه أيضا أن صحائف الأعمال للعبد تطوى في آخر العام ومن زعم ذلك فقد أخطأ وأدخل في الدين ما ليس منه. ولكن ثبت في السنة أنها ترفع يوم الإثنين والخميس من كل أسبوع وصلاة الفجر والعصر من كل يوم وروي أنها ترفع في شعبان من كل عام. ثم أيضا صحيفة المؤمن تطوى إذا انقضى عمره وتوفاه المولى عز وجل. فتبين أنه لا علاقة بين نهاية العام الهجري وطوي الصحائف.
ثالثا: التوقيت والتأريخ بالعام الهجري لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبوبكر رضي الله عنه وإنما وضعه عمر رضي الله عنه اجتهادا منه وأقره الصحابة عليه حينما احتاج المسلمون للتأريخ لشؤون حياتهم وأعمالهم. وهذا يدل على أن ختام العام لم يحفل به الشرع ويخصص له عملا مشروعا.
رابعا: أن ابتداء السنة لكل إنسان تكون من حين وقت مولده فإذا تكرر يوم مولده من العام الآخر كان هذا الوقت ختام حوله وعامه وليس في ختام العام الهجري. فمن الناس من يختم عامه في محرم ومنهم في صفر وهكذا. فتوقيت حول كل إنسان بختام العام الهجري خطأ غير صواب وعبث لا فائدة منه.
خامسا: أن اعتبار هذا الوقت مناسبة دينية وتخصيصها بموعظة وعمل صالح والتساهل في ذلك يفتح باب الإبتداع في الدين والتغيير في أيامه الشرعية. فإذا خصصنا ختام العام وخصصنا يوم الهجرة وخصصنا يوم الإسراء وخصصنا يوم المولد بأمور وأعمال واعتنينا بها فتحنا على أنفسنا بابا من الشر والضلالة وغيرنا معالم الدين وضاهينا الأوقات المشروعة وزاحمناها. والشريعة جاءت بالتفريق بين العبادات الشرعية والعبادات البدعية والتفريق بين الأوقات الشرعية والأوقات البدعية. وهذا أصل عظيم يجب العناية به ولذلك كان الإمام مالك وغيره من الأئمة يشددون في هذا الباب صيانة للدين من البدعة والتغيير في معالمه وكلامهم وتصرفهم في هذا كثير جدا.
فعلى هذا لا يشرع للواعظ والداعية أن يحرض الناس على التوبة والعمل الصالح والمحاسبة في هذا الوقت ولا يخصه بشيء ولا يجعل له مزية في الشرع أو يجعل لآخر جمعة في العام فضيلة خاصة. فهذه الأيام لا مزية لها ولا فضيلة بل هي كسائر الأيام التي لم يخصها الشرع بشيء. والتوبة والأعمال الصالحة مشروعة في كل وقت.
أما إذا تكلم في هذه الأيام من باب العبرة والعظة على سبيل العموم ولم يخصها بشيء فاستدل بانتهاء العام على انصرام الأعوام وقرب رحيل الدنيا من المؤمن واقتراب أجل الآخرة أو نبه بذلك على زوال الدنيا وتغير أحوالها أو أهمية الوقت وفواته في حياة المسلم ونحو ذلك فهذا أمر حسن لا محظور فيه إن شاء الله إذا لم يلتزم ذلك أو يعتقد أنه سنة لأن باب العظة والتذكير باب واسع ورد في الشرع بصفة مطلقة ومقيدة وهو عام في كل وقت لا يفتقر إلى دليل خاص كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحين في وعظه الأوقات المناسبة. وقد روي عن السلف في ذلك آثارا حسنة.
والله الموفق والهادي إلى طريق الصواب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة