يارا في خدمة الدين والعلمانية
عبدالله بن بخيت
قرأتُ ما كتبه الأستاذ راشد فهد الراشد عن الشيخ الدكتور الداعية محمد العريفي. هذا الرجل مهما قال عنه خصومه يبقى ظاهرة. لا ينكر حاسدوه أنه بلغ ذرى النجوم شهرة، يتربع على أعلى نجمة في السماء وأكثرها سطوعا، ومع تعرضه للنقد والسخرية والتحطيم إلا انه بقي صامدا كما كان يردد ياسر عرفات (يا جبل ما يهزك ريح).
بل ويزداد تألقاً حتى اصبح ثروة إعلامية لا تقدر بثمن.
يمكن اليوم توظيف شهرته ومكانته إعلانيا. لو كنت مسؤول شركة إعلان لكنت استفدت منه في الدعاية لأي منتج رجالي: شامبو خاص باللحية مثلا. لا أعطيه او اعطي شركات الإعلان دروسا فكلاهما ادرى مني بالسبل التي تحقق الأرباح الوفيرة، ولكنني اردت من هذه المقدمة ان أفشى سرا.
لقد اصبح يستحوذ على اهتمامي بصورة ايجابية. كنت ضده في السابق اما اليوم فلم أعد أراه يشكل خطرا مهما تعاظم تطرفه . دعوت الله أن يمن على أمتنا بمزيد من امثاله وقد استجاب ولله الحمد.
ما اكتشفته في هذا الداعية وفي كثير من زملائه أنهم خدموا الإسلام والعلمانية على حد سواء. العلمانية في ابسط معانيها هي إسقاط القدسية والهيبة عن رجل الدين.
ميزة دعاة الفضاء التي لن ينساها لهم التاريخ ان أسماءهم اصبحت مادة مبتذلة تلقى الاحترام والتحقير في نفس الوقت، فانمحت القدسية عن كلمة داعية. صار الناس يلفظون كلمة داعية كما تلفظ الألقاب الثقافية والاجتماعية الأخرى. كاتب، لاعب، مطرب، خباز.
أُفرغت من بعدها الديني. اصبحت لقبا دنيويا لا تشوبه هيبة. على المستوى الثقافي لم يعد يوجد شيء اسمه علماء دين كما كان سائدا من قبل. سقطت آلية التعظيم القمعية. فأصبح خط الهجوم وخط الدفاع للتوجهات الدينية بكل اشكالها ودرجاتها في يد الدعاة وهؤلاء لا تتوفر لهم حماية خاصة. صارت الجماهير سندهم الوحيد.
في زحمة التقاتل على الجماهير أصبح تقديم التنازلات حتمياً، فانزلقوا في التناقضات. ليس لأنهم بطبعهم متناقضون ولكن الميادين التي يتحركون فيها تفرض عليهم التناقض. عليه ان يشتم القناة الفضائية وأن يخاطب جمهوره من خلالها. عليه محاربة الاختلاط ولا بأس من محاضرة تُلقى على جمع من النساء. لعن الديموقراطية والتبشير المبتهج بنتائجها. يلقي محاضرة للدعوة إلى الله ويستلم أجرها في الدنيا "كاش".
تلاحظ اليوم ان الدعاة يتلقون سيلا من الشتائم والسباب والنقد والنكت شبيها بما يتلقاه رموز ما يسمى بالليبرالية. لم يبق بين أيديهم عند المنازلة سوى المواهب والأسلحة الدنيوية: البلاغة والمراوغة والعلاقات والتحزب والشكل والثراء.
اختفى رجل الدين الذي يأخذ الناس إلى الجنة وخصمه الذي يقود الناس إلى التهلكة. النار والجنة أصبحتا بيد خالقهما كما كانتا دائما. أوقفت الحياة الجديدة صكوك الغفران. مزقها العريفي بالتعاون مع إخوانه كالنجيمي والقرني .
وبوصفي إنسانا منحازا لن أشكر العريفي وزملاءه الدعاة على هذا الإنجاز، وسأشكر الرأسمالية وسحر الإعلام. المال ولهاث الشهرة لا يسمحان لك ان تلتقط الأنفاس. فالآخرون يتربصون بمكانتك ومكتسباتك. (عجل عجل).
الرأسمالية تقوم على المنافسة وتراكم الأرباح ومن سار على الدرب وصل..