حكم مصافحة الرجال للمرأه ؟
الجواب : الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..
مصافحة الرجل للمرأة من غير محارمه، أو مصافحة المرأة للرجل من غير محارمها، تعتبر حراماً عند جمهور الفقهاء في المذاهب الأربعة. وقد استثنى الأحناف والحنابلة حالة ما إذا كان أحدهما عجوزاً لا يَشتهي ولا يُشتهى، ولأن التحريم بسبب خوف الفتنة، وهي هنا معدومة أو نادرة، بينما تشدد المالكية والشافعية فحّرموا المصافحة بين الرجل والمرأة حتى ولو كان أحدهما عجوزاً لا يشتهى.
(الموسوعة الفقهية الكويتية- باب مصافحة (73/258) نقلاً عن بدائع الصنائع (5/123)، والآداب الشرعية (2/269)، ومطالب أولي النهي (5/14)، وكفاية الطالب الرباني (2/437)، ومغني المحتاج ( 3/133-135).
والدليل على التحريم الذي احتج به كثير من الفقهاء هو (سد الذريعة إلى الفتنة) وهو أمر صحيح، طالما أن النظرة أحياناً تفتح باب الشهوة وتؤدي إلى الفتنة، ولذلك نهينا عنها بالإجمال. والمصافحة أكثر احتمالا لاستثارة الشهوة من مجرد النظر، ولذلك كان تحريما من باب قياس الأولى.
أما الأدلة الأخرى التي احتج بها بعض الفقهاء فهي كلها موضوع نظر ومناقشة ليس هنا مجالها.
وبناء على ذلك، ولأن تحريم المصافحة مبني على ترجيح احتمال الفتنة، فقد ثبتت إباحتها عندما يترجح عدم الفتنة، من ذلك:
قول أنس بن مالك: (إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله، فتنطلق به حيث شاءت) رواه البخاري في كتاب الأدب. وقوله أيضاً (إن كانت الوليدة- يعني الأمة- من ولائد أهل المدينة لتجيء وتأخذ بيد رسول الله، فما تنزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت) رواه أحمد وابن ماجه.
مثل هذه الأقوال لا يمكن فهمها مع تحريم المصافحة، إلا إذا قلنا بإباحتها عند أمن الفتنة. فالمصافحة هي في النتيجة وضع اليد باليد، وقد فعلها رسول الله مع غير محارمه.
هذه الأحاديث أصح بكثير من الحديث المشهور الذي يحتج به المتشددون في التحريم، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط خير من أن يمس امرأة لا تحل له) وهو حديث أخرجه الطبراني والبيهقي، ولم يصححه أئمة الحديث سوى قول المنذري أو الهيثمي (رجاله ثقات أو رجال الصحيح)، وهذا لا يكفي لإثبات صحته كما هو معروف.
فالخلاصة مما تقدم أن المصافحة حرام عند جمهور الفقهاء، وهي مباحة عند الحنفية والحنابلة إذا كان أحد الطرفين عجوزاً لا يشتهي ولا يشتهى. وأضيف إلى ذلك إنها تباح عند أمن الفتنة، باعتبار أن علة تحريمها هي سد الذريعة أمام الفتنة، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً. فإذا خيفت الفتنة على أحد الطرفين، أو وجدت الشهوة عند أحدهما أصبحت المصافحة حراماً بدون شك.
ولما كانت الأخت السائلة تعيش في بلاد الغرب، حيث تعتبر المصافحة عادة اجتماعية، ويندر أن يكون لها تأثير في إثارة الفتنة، فالإثارة هناك لها أسباب أخرى موجودة بكثرة، من أمثال التعري الواسع والاختلاط الماجن، فإني أرى أن مثل الحالات الواردة في السؤال يمكن أن تكون مباحة إذا أمنت الفتنة.
والأصل دائماً الابتعاد عن المصافحة ما أمكن وخاصة مع الأقارب من غير المحارم، فإذا وقعت الضرورة أو الإحراج، فلا بأس بها إذا لم ترافقها استثارة الشهوة.
وفي جميع الأحوال -وحتى لا تصبح المصافحة عادة يفعلها المسلم أو المسلمة بدون أي تحرج- أرى ضرورة اعتبارها ذنباً، وإتباعها عندما تقع بالاستغفار، وتعويضها بالعمل الصالح ما أمكن.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ : فيصل بن أنور مولوي ( قاضي متقاعد ) .